فصل: الجملة الرابعة في أصل وضع الألقاب الجارية بين الكتاب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الجملة الثالثة في الألقاب المفرعة على الأسماء:

على ما استقر عليه الحال من التلقيب بالإضافة إلى الدين، وهي على أربعة أنواع:
النوع الأول: ألقاب أرباب السيوف:
وهم صنفان:
الصنف الأول: ألقاب الجند من الترك ومن في معناهم:
واعلم أن الغالب في ألقاب الترك من الجند التلقيب بسيف الدين لما فيه من مناسبةٍ حالهم وانتسابهم إلى القوة والشدة: كيلبغا، ومنكلي بغا، وبي خجا، وأسن خجا، وتغري بردي، وتغري برمش، ونحو ذلك.
وقد يخرج ذلك في الأسماء فيلقب بألقاب خاصة، كما يلقبون طيبغا، والطنبغا، وقرابغا علاء الدين وأيدمر وبيدمر عز الدين ولاجين حسام الدين وأرسلان بهاء الدين وأقوش جمال الدين وسنجر علم الدين ونحو ذلك.
وفي المولدين يقولون في لقب محمد ناصر الدين ولقب أبي بكر سيف الدين ولقب عمر ركن الدين ولقب علي علاء الدين ولقب إبراهيم صارم الدين ولقب إٍسماعيل تاج الدين ولقب حسن وحسين حسام الدين ولقب خالد شجاع الدين ونحو ذلك.
الصنف الثاني: ألقاب الخدام الخصيان المعبر عنهم الآن بالطواشية:
وفي زمن الفاطميين بالأستاذين ولهم ألقاب تخصهم: فيقولون في هلال ومرجان زين الدين وفي دينار عز الدين وفي بشير سعد الدين وفي شاهين فارس الدين وفي جوهر صفي الدين وفي مثقال سابق الدين وفي عنبر شجاع الدين وفي لؤلؤ بدر الدين وفي صواب شمس الدين وفي محسن جمال الدين ونحو ذلك.
النوع الثاني: ألقاب أرباب الأقلام:
وهي على صنفين:
الصنف الأول: ألقاب القضاة والعلماء:
قد كان في الزمن الأول لغالب أسمائهم ألقابٌ لا يتعدونها، كقولهم في محمد: شمس الدين وفي أحمد شهاب الدين، وفي أبو بكر زين الدين وفي عمر سراج الدين وفي عثمان فخر الدين وفي علي نور الدين وفي يوسف جمال الدين وفي عبد الرحمن زين الدين وفي إبراهيم برهان الدين ونحو ذلك.
ثم ترك أعيانهم ذلك لابتذاله بكثرة الاستعمال، وعدلوا إلى ألقاب أخر ابتدعوها على حسب أغراضهم فقالوا في محمد بدر الدين وصدر الدين وعز الدين ونحوها، وفي أحمد بهاء الدين وصدر الدين وصلاح الدين وفي علي تقي الدين وفي عبد الرحمن جلال الدين ونحو ذلك، ولم يتوقفوا في ذلك على لقب مخصوص،، بل صاروا يقصدون المخالفة لما عليه جادة من تقدمهم في ذلك.
الصنف الثاني: ألقاب الكتاب من القبط:
ولهم ألقاب تخصهم أيضاً: فيقولون في عبد الله شمس الدين وفي عبد الرازق تاج الدين وربما قالوا سعد الدين وفي إبراهيم علم الدين وفي ماجد مجد الدين وفي وهبة تقي الدين ونحو ذلك.
النوع الثالث: ألقاب عامة الناس من التجار والغلمان السلطانية ونحوهم:
وهم على سنن الفقهاء في ألقابهم، وربما مال من هو منهم في الخدم السلطانية إلى التلقيب بألقاب الجند.
النوع الرابع: ألقاب أهل الذمة من الكتاب والصيارف ومن في معناهم من اليهود والنصارى:
وقد اصطلحوا على ألقاب يتقلبون بها غالبها مصدرة بالشيخ، ثم منهم من يجري على الرسم الأول في التلقيب بالإضافة إلى الدولة فيتلقب بولي الدولة ونحوه، ومنهم من يحذف المضاف إليه في الجملة ويعرف اللقب بالألف واللام فيقولون الشيخ الشمسي والشيخ الصفي والشيخ الموفق وما أشبه ذلك.
فإذا أسلم أحدهم أسقطت الألف واللام من أول لقبه ذلك، وأضيف إلى لفظ الدين.
فيقال في الشيخ الشمسي شمس الدين وفي الصفي صفي الدين وفي ولي الدولة ولي الدين وما أشبه ذلك.
وربما كان لقب الذمي ليس له موافقةٌ في شيء مما يضاف إلى الدين من ألقاب المسلمين، فيراعى فيه إذا أسلم أقرب الألقاب إليه، مثل أن يقال في الشيخ السعيد مثلاً إذا أسلم سعد الدين ونحو ذلك.

.الجملة الرابعة في أصل وضع الألقاب الجارية بين الكتاب:

ثم انتائها إلى غاية التعظيم ومجاورتها الحد في التكثير أما أصل وضعها ثم انتهاؤها إلى غاية التعظيم فإن ألقاب التعظيم فإن ألقاب الخلافة في ابتداء الأمر- على جلالة قدرها وعظم شأنها- كانت في المكاتبات الصادرة عن ديوان الخلافة وإليه، والولايات الناشئة عنه عبد الله ووليه الإمام الفلاني أمير المؤمنين ولم يزل الأمر على هذا الحد في الألقاب إلى أن استولى بنو بويه من الديلم على الأمر، وغلبوا على الخلفاء، واستبدوا عليهم احتجبت الخلفاء ولم يبق إليهم فيما يكتب عنهم غالباً سوى الولايات، وفوض الأمر في غالب المكاتبات إلى وزرائهم، وصارت الحال إذا اقتضت ذكر الخليفة كني عنه بالمواقف المقدسة والمقامات الشريفة والسرة النبوية والدار العزيزة والمحل الممجد يعنون بالمواقف الأماكن التي يقف فيها الخليفة، وكذلك المقامات، وبالسرة الأنماط التي يجلس عليها الخليفة وبالدار دار الخلافة، وبالمحل محل الخليفة.
قال في ذخيرة الكتاب: وليت شعري أي شيء قصد من كنى عن أمير المؤمنين بهذه الكنايات، وبدل نعوته وصفاته المعظمة الكمرمة بهذه الألفاظ المحقرات؟ وإذا استجيز ذلك ورضي به وأعضي عنه لآخر أن يقول المجالس الطاهرة والمقاعد المقدسة والمراكب المعظمة والأسرة الممجدة وما يجري هذا المجرى مما ينبو عنه السمع وينكره لاستحداثه واستجداده.
على أنه لو توالى على الأسماع كتوالي تلك الألفاظ لم تنكره بعد إذ لا فرق.
قال: ولم يستسنه النبي صلى الله عليه وسلم ولا اختاره لنفسه، ولا استحدثه الخلفاء من بعده.
فما وجه العمل بموضعه والاقتفاء لأثره؟ وكيف يجوز أن يكنى عن الجمادات، بما يكنى به عن الإنسان الحي الناطق الكامل الصفات.
ولما انتهى الحال بالخلفاء إلى التعظيم بهذه الألقاب والنعوت المستعارة، تداعى الأمر إلى تعظيم الملوك والوزراء بالتلقيب بالمجلس العالي والحضرة السامية وما أشبه ذلك.
قال: وهذا مما لم يكن في زمانٍ، ولا جرى في وقتٍ، ولا كتب به النبي صلى الله عليه سلم، ولا استعمله الخلفاء بعده. ثم تزايد الحال في ذلك إلى أن كنوا بالمقام والمقر والجناب والمجلس ونحو ذلك على ما سيأتي ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى. وأما مجاوزتها الحد في الكثرة، فقد تتقدم أن اللقب الواحد كان يلقب به الشخص دون تعدد ألقاب، إلى أن وافت أيام القادر بالله والتلقيب بالإضافة إلى الدولة فزيد في لقب عضد الدولة بن بويه تاج الملة فكان يقال عضد الدولة وتاج الملة وكان أول من زيد في لقبه على الإفراد، وأن ابنه بهاء الدولة زيد في لقبه في الأيام القادرية أيضاً نظام الدين فكان يقال بهاء الدولة ونظام الدين ويقال إنه زاده من بعد بهاء الدولة لفظ في الأمة فكان يقال: بهاء الدولة في الأمة ونظام الدين ثم لقب محمود بن سبكتكين في الأيام القادرية أيضاً يمين الدولة وأمين الملة، وكهف الإسلام والمسلمين، ولي أمير المؤمنين وتزايد الأمر بعد ذلك في تكثير الألقاب حتى جاوز الحد وبلغ النهاية، وصارت الكتاب في كل زمن يقترحوه ألقاباً زيادةً على ما سبق إلى أن صارت من الكثرة في زماننا على ما ستقف عليه إن شاء الله تعالى فيما بعد.

.الجملة الخامسة في بيان الألقاب الأصول وذكر معانيها واشتقاقها:

وهي صنفان:
الصنف الأول: ما يقع في المكاتبات والولايات:
وهي ثمانية ألقاب:
الأول- الجانب. وهو من ألقاب ولادة العهد بالخلافة ومن في معناهم: كإمام الزيدية باليمن في مكاتبته عن الأبواب السلطانية.
وربما وقع في الخطاب في أثناء المكاتبة: فيقال الجانب الأعلى والجانب الشريف العالي والجانب الكريم العالي والجانب العالي مجرداً عنهما، رتبة بعد رتبة.
ثم الجانب في أصل اللغة اسم للناحية، والمراد الناحية التي صاحب اللقب فيها، كني بها عنه تعظيماً له من أن يتفوه بذكره، وكذا في غيره مما يجري هذا المجرى من الألقاب المكتتبة: كالمقام والمقر ونحوهما. الثاني- المقام بفتح الميم. وهو من الألقاب الخاصة بالملوك. وأصل المقام في اللغة اسمٌ لموضع القيام، أخذاً من قام يقوم مقاماً، وقد ورد في التنزيل بمعنى موضع القيام في قوله تعالى: {فيه آياتٌ بيناتٌ مقام إبراهيم} يريد موضع قدميه في الصخرة التي كان يقوم عليها البيت، ثم توسع فيه فأطلق على ما أعم من موضع القيام من محلة الرجل أو مدينته ونحو ذلك، ومن ثم قال الزمخشري في الكلام على قوله تعالى: {إن المتقين في مقامٍ أمينٍ} إنه خاص استعمل في معنى العموم، يعني أن يستعمل في موضع الإقامة في الجملة.
أما المقام بالضم فاسمٌ لموضع الإقامة أخذاً من أقام يقيم، إذ الفعل متى جاوز الثلاثة فالموضع منه مضموم كقولهم في المكان الذي يدحرج فيه مدحرج كما نبه عليه الجوهري وغيره.
وقد قريء قوله تعالى: {يأهل يثرب لا مقام لكم} بالفتح والضم جميعاً على المعنيين.
قال الجوهري: وقد يكون المقام بالفتح بمعنى الإقامة والمقام بالضم بمعنى موضع القيام.
وجعل من الثاني قوله تعالى: {حسنت مستقراً ومقاماً} أي موضعاً.
وبالجملة فالذي يستعمله الكتاب في المقام الفتح خاصةً، يكنون بذلك عن السلطان تعظيماً له عن التفوه باسمه.
قال المقر الشهابي بن فضل الله في عرف التعريف: ويقال فيه المقام الأشرف والمقام الشريف العالي وربما قيل فيه المقام العالي ولم يتعرض لذكر المقام الكريم ولو عمل عليه تأسياً بلفظ القرآن الكريم حيث قال تعالى: {ومقامٍ كريمٍ} لكان حسناً.
الثالث- المقر- بفتح الميم والقاف. قال في عرف التعريف: ويختص بكبار الأمراء، وأعيان الوزراء، وكتاب السر ومن يجري مجراهم: كناظر الخاص، وناظر الجيش، وناظر الدولة، وكتاب الدست ومن في معناهم.
قال: ولا يكتب لأحد من العلماء والقضاة، وكأنه يريد العرف العام.
والتحقيق في ذلك أن الحال فيه يختلف بحسب المكتوب عنه، فلا يقال فيما يكتب عن السلطان إلا لأكابر الأمراء وبعض الملوك المكاتبين عن هذه المملكة: كصاحب ماردين ونحوه.
بل قد ذكر ابن شيثٍ في معالم الكتابة أن المقر من أجل ألقاب السلطان. وقد رأيت ذلك في العهد المكتتب بالسلطنة للمنصور قلاوون من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر.
أما عمن عدا السلطان كالنواب ونحوهم فإنه يكتب به لأكابر أرباب السيوف والأقلام: من القضاة والعلماء والكتاب.
على أن ابن شيثٍ في معالم الكتابة قد جعله من الألقاب الملوكية كالمقام، بل جعلهما على حد واحدٍ في ذلك.
قال في عرف التعريف: ويقال فيه المقر الأشرف والمقر الشريف العالي والمقر الكريم العالي والمقر العالي مجرداً عن ذلك.
وأصله في اللغة لموضع الاستقرار، والمراد الموضع الذي يستقر فيها صاحب ذلك اللقب. ولا يخفى أنه من الخاص الذي استعمل في العموم كما تقدم في لفظ المقام عن الزمخشري. إذ يجوز أن يقال فلان مقره محلة كذا وبلدة كذا، كما يقال مقامه محلة كذا وبلد كذا.
الرابع- الجناب. وهو من ألقاب أرباب السيوف والأقلام جميعاً فيما يكتب به عن السلطان وغيره، من النواب ومن في معناهم.
قال في عرف التعريف: وهو أعلى كما يكتب للقضاة والعلماء من الألقاب.
قال: ويكتب لمن لا يؤهل للمقر من الأمراء وغيرهم ممن يجري مجرى الوزراء ويزيد على ما قد ذكره أن يكتب به لبعض الملوك المكاتبين عن الأبواب السلطانية. قال في عرف التعريف: ويقال فيه: الجناب الشريف العالي، والجناب الكريم العالي والجناب العالي مجرداً عنهما.
وأصل الجناب في اللغة الفناء أو ما قرب عن محلة القوم، ومنه قولهم، لذنا بجنابٍ فلانٍ وفلانٌ خصيب الجناب، فيعبر عن الرجل بفنائه وما قرب من محلته تعظيماً له، ويجمع على أجنبة كمكانٍ وأمكنةٍ وعلى جنابات كمجادٍ وجمادات.
الخامس- المجلس. وهو من ألقاب أرباب السيوف والأقلام أيضاً ممن لم يؤهل لرتبة الجناب، وربما لقب به بعض الملوك في المكاتبات السلطانية.
على أنه كان في الدولة الأيوبية لا يلقب به إلا الملوك ومن في معناهم.
ومكاتبات القاضي الفاضل والعماد الأصفهاني وغيرهما من كتاب الدولة الأيوبية ومن عاصرها مسحونةٌ بذلك، حتى قال صاحب معالم الكتابة: وقد كانوا لا يكتبون المجلس إلا للسلطان خاصة.
قال: ولم يكن السلطان يكاتب به أحداً من الداخلين تحت حكمه والمنسحب عليهم أمره.
ثم ذكر أنه كان يكتب به في زمانه إلى كبار الأمراء والوزراء وولاة العد بالسلطنة.
أما في زماننا فقد صار في أدنى الرتب وجعل الجناب والمقر فوقه على ما تقدم.
ويقال فيه: المجلس العالي والمجلس السامي رتبةً بعد رتبة.
ويقال في المجلس السامي السامي بالياء، والسامي بغير ياء رتبةً بعد تبةً.
واعلم أن العالي والسامي اسمان منقوصان كالقاضي والوالي وقد تقرر في علم النحو أنه إذا دخلت الألف واللام على الاسم المنقوص جاز فيه إثبات الياء وحذفها فيقال القاض والقاضي ونحو ذلك، وحينئذ فيجوز في العالي والسامي إثبات الياء وحذفها ولكن الكتاب لا يستعملونها إلا بالياء.
فأما في العالي فيجوز أن تكون الياء التي تثبتها الكتاب في آخره هي الياء اللاحقة للاسم المنقوص على ما تقدم وتكون حينئذ ساكنةً، ويجوز أن تكون ياء النسب نسبة إلى العالي وتكون مشددة، وكذلك في السامس بالياء.
أما السامي بغير ياء فيجوز أن يكون المراد حذف ياء النسب لا الياء اللاحقة للاسم المنقوص، لما تقدم من أن الكتاب لم يستعملوها إلا بإثبات الياء، وحينئذ فتحذف الياء من الياء من اللقاب التي تنعت بها. ويحتمل أن يكون المراد حذف الياء اللاحقة للاسم المنقوص وهو بعيد.
وأصل المجلس في اللغة لموضع الجلوس، ويشار بذلك إلى الموضع الذي يجلس فيه تعظيماً له على ما تقدم في غيره.
ولا يخفى أنه ليس للمجلس ما للمقر والمقام من العموم حتى يعم ما فوق موضع الجلوس، إذ لا يحسن أن يقال مجلس فلان محلة كذا ولا بلد كذا كما يحسن أن يقال: مقره أو مقامه محلة كذا أو بلد كذا.
السادس- مجلس- مجرداً عن الألف واللام مضافاً إلى ما بعده، وله في الاصطلاح أربع حالات: الأولى- أن يضاف إلى الأمير: فيقال مجلس الأمير وهو مختصٌ بأرباب السيوف على اختلاف أنواعهم من الترك والعرب وغيرهم.
الثانية- أن يضاف إلى القاضي: فيقال مجلس القاضي وهو مختص بأرباب الأقلام من القضاة والعلماء والكتاب ومن في معناهم.
الثالث- أن يضاف إلى الشيخ: فيقال مجلس الشيخ ويختص ذلك بالصوفية وأهل الصلاح ومن في معناهم.
الرابعة- أن يضاف إلى الصدر: فيقال: مجلس الصدر وهو مختص بالتجار وأرباب الصنائع ومن في معناهم، وربما كتب به في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون وما قاربها لكتاب الدرج ومن في معناهم.
والمراد بالصدر صدر المجلس الذي هو أعلى أماكنه وأرفعها، والمضاف والمضاف إليه فيه كالمتعاكسين، والتقدم صدر المجلس.
السابع- أن يقتصر على المضاف إليه من مجلس الأمير، أو مجلس القاضي، ومجلس الشيخ، أو مجلس الصدر ويقال فيه: الأمير الأجل والقاضي الأجل والشيخ الصالح، والصدر الأجل.
الثامن- الحضرة، والمراد بها حضرة صاحب اللقب.
قال الجوهري: حضرة الرجل قربه وفناؤه.
قال ابن قتيبة في أدب الكاتب: وتقال بفتح الحاء وكسرها وضمها وأكثر ما تستعمل في المكاتبات.
وهي من الألقاب القديمة التي كانت تستعمل في مكاتبات الخلفاء، وكان يقال فيها الحضرة العالية والحضرة السامية وتستعمل الآن في المكاتبات الصادرة عن الأبواب السلطانية إلى بعض الملوك.
ويقال فيها الحضرة الشريفة العالية والحضرة الكريمة العالية والحضرة العلية بحسب ما تقتضيه الحال.
قال ابن شيثٍ في معالم الكتابة: كانت مما يكتب بها لأعيان الدولة من الوزراء وغيرهم، ولم يكن السلطان يكاتب بها أحداً من الداخلين تحت حكمه والمنسحب عليهم أمره.
وتستعمل أيضاً في مكاتبات ملوك الكفر، ويقال فيه بعد الدعاء للحضرة: حضرة الملك الجليل ونحو ذلك على ما سيأتي بيانه في موضعه. وقد تستعمل في الولايات في نحو ما يكتب للبطرك. فيقال حضرة الشيخ أو حضرة البطرك ونحو ذلك.
قلت: وكثيرٌ من كتاب الزمان يظنون أن هذه الألقاب الأصول أو أكثرها أحدثها القاضي شهاب الدين بن فضل الله وليس كذلك، بل المجلس مذكورٌ في مكاتبات القاضي الفاضل ومن عاصره بكثرة بل لا تكاد مكاتبةٌ من مكاتباته الملوكية تخلو عن ذلك.
ومقتضى كلام ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب أنه أول ما ابتدع في أيام بني بويه ملوك الديلم والجناب موجود في مكاتبات القاضي الفاضل أيضاً بقلة.
وقد ذكره ابن شيث في مصطلح كتابة الدولة الأيوبية.
والمقر موجودٌ في كلام القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر. الترتيب الخاص: وهو جعل أعلاها المقام، ثم المقر، ثم الجناب، ثم المجلس، ثم مجلس الأمير أو القاضي أو الشيخ، لم أره إلا في كلام المقر الشهابي المشار إليه ومتابعيه، ولا أدري أهو مقترح لهذا أم سبقه إليه غيره؟ وقد أولع الفضلاء بالسؤال عن وجه هذا الترتيب، بل أخذوا في إنكاره على مرتبه من حيث إن هذه الألقاب متقاربة المعاني في اللغة، فلا يتجه تقديم بعضها على بعض في الرتبة، ولا يخفى أن واضع ذلك من المقر الشهابي أو غيره لم يضعه عن جهلٍ على سبيل التشهي إذ لا يليق ذلك بمن عنده أدنى مسكة من العلم، وقد ظهر لي عن ذلك أجوبة يستحسنها الذهن السليم إذا تلقيت بالإنصاف، ولا بد من تقديم مقدمة على ذلك: وهي أن تعلم أن الخطاب في المكاتبات، والوصف في الولايات مبنيٌ على التفخيم والتعظيم، على ما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى، ومن ثم أتي فيهما بالألقاب المؤدية إلى الرفعة كما تقدمت الإشارة إليه في أول الكلام على الألقاب، ثم أثبتوا هذه الألقاب بمعنى الأماكن كناية عن أصحابها من باب مجاز المجاورة وجعلوها رتبة بعد رتبةٍ بحسب ما تقتضيه معانيها اللائحة منها على ما سيأتي بيانه، فجعلوا أدناها رتبة الأمير والقاضي والشيخ، التي وقع فيها التصريح بذكر الشخص، وجعلوا فوق تلك المجلس لتجرده عن الاضافة إلى ما هو في معنى القريب من التصريح، وجعلوا فوق ذلك الجناب الذي هو الفناء من حيث إن فناء الرجل أوسع من مجلسه ضرورةً، بل ربما اشتمل على المجلس واستضافه إليه، وجعلوا فوق ذلك المقر الذي هو موضع الاستقرار مع ما يقتضيه من شمول جميع المحلة أو البلد الذي هو مقيم فيه، من حيث إنه يسوغ أن يقال مقره محلة كذا أو بلد كذا، وتضمنت معنى القرار الذي هو ضد الزوال على ما قال تعالى: {وإن الآخرة هي دار القرار} وجعلوا فوق ذلك المقام لاستعماله في المعنى العام، الذي هو أعم من موضع القيام كما أشار إليه الزمخشري، مع ما في معنى القيام من النهضة والشهامة الزائدة على معنى الاستقرار، من حيث إن القعود دليل العجز والقصور. قال تعالى: {وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} وقال: {الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا} فكان المقام باعتبار ذلك أعلى من المقر ويوضح ما ذكرناه أنهم جعلوا المجلس أدنى المراتب والمقام أعلاها.
أما تخصيصه خطاب الخليفة بالديوان فلبعد تعلقه مع كونه عنه تصدر المخاطبات وعليه ترد على ما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
الصنف الثاني من الألقاب الأصول: ما يختص بالمكاتبات دون الولايات:
وفيه تسعة ألقاب:
الأول- الديوان. وقد تقدم الكلام على ضبطه ومعناه في الكلام على ترتيب ديوان الإنشاء في مقدمة الكتاب، ويصدر بالدعاء له في المكاتبة إلى أبواب الخلافة المقدسة، ويقال فيه الديوان العزيز على ما سيأتي في الكلام على المكاتبات فيما بعد إن شاء الله تعالى، قال المقر الشهابي بن فضل الله في كتابه التعريف. والمعني به ديوان الإنشاء إذ الكتب وأنواع المخاطبات إليه واردةٌ، وعنه صادرة. قال: وسبب الخطاب بالديوان العزيز الخضعان عن خطاب الخليفة نفسه. ثم كتاب الزمان قد يستعملون ذلك في غير المكاتبات مثل أن يكتب عن السلطان منشور إقطاعٍ للخليفة فيقال: أن يجرى في الديوان العزيز ونحو ذلك على ما سيأتي في الكلام على المناشير في موضعه إن شاء الله تعالى.
الثاني- الباسط، وهو مما يستعمل في المكاتبات بالتقبيل على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى. وأصله في اللغة فاعلٌ من البسط، والمراد بسط الكف بالبذل والعطاء. ومنه قوله تعالى: {ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط} وهو من ألقاب اليد، ويشترك فيه أرباب السيوف والأقلام وغيرهم. قال في عرف التعريف ويقال فيه: الباسط الشريف العالي والباسط الكريم العالي.
الثالث- الباسطة بلفظ التأنيث. وهو بمعنى الباسط إلا أن الباسطة دون الباسط في الرتبة لميزة التذكير على التأنيث.
الرابع- اليد. وهي في معنى الباسطة إلا أنها دونها لفوات الوصف بالبسط فيها. قال في عرف التعريف: ويقال فيها اليد الشريفة العالية واليد الكريمة العالية واليد العالية مجردة عنهما.
الخامس- الدار، وهي معروفة. وتجمع على آدرٍ، وديارٍ، ودورٍ والمراد دار المكتوب إليه، تنزيهاً له عن التصريح بذكره كما في الجناب وغيره. وكانت مما يكتب به في الزمن القديم في ألقاب الخلفاء ويقال: الدار العزيزة وما أشبه ذلك، وربما كتب بها في القديم أيضاً للخواتين من نساء الملوك وغيرهم، وممن كتب به لهن العلاء بن موصلايا صاحب ديوان الإنشاء في أيام القائم العباسي، وعلى ذلك الأمر في زماننا في الكتب الصادرة إليهن من الأبواب السلطانية وغيرها، وإنما كتب إليهن بذلك إشارةً إلى الصون لملازمتهن الدور، وعدم البروز عنها.
السادس- الستارة، وكتاب الزمان يستعملونها في نحو ما تستعمل فيه الدار، ويكنون بها عن المرأة الجليلة القدر، التي هي بصدد أن تنصب على بابها الستارة حجاباً.
السابع- الجهة، وهو مستعملٌ في معنى الدار والستارة من المكاتبات، ويعنى بها المرأة الجليلة القدر، وهي في أصل اللغة اسمٌ للناحية، فكنوا بها عن المرأة الجليلة، كما كنوا عن الرجل الجليل بالجناب.
الثامن- الباب. وهو من الألقاب المختصة بالعنوان في جليل المكاتبات، وأصل الباب في اللغة لما يتوصل منه إلى المقصود، ويجمع على أبواب: كحالٍ وأحوالٍ، وعلى بيبانٍ: كجارٍ وجيرانٍ، والمراد باب دار المكتوب إليه، وكأنه أجل صاحب اللقب عن الوصول إليه والقرب منه، لعلو مكانه ورفعة محله، ويقال فيه الباب الشريف العالي والباب الكريم العالي والباب العالي مجرداً عنهما، واستعماله بلفظ الجمع على أبواب أعلى منه بلفظ الإفراد لما في معنى الجمع من الشرف، أما الجمع على بيبانٍ فلا يستعمله الكتّاب أصلاً.
التاسع- المخيم. وهو من الألقاب المختصة بالعنوان للمسافر، والمراد المكان الذي تضرب فيه خيام المكتوب إليه، أخذاً من قولهم خيم بالمكان إذا أقام به، أو خيمه إذا جعله كالخيمة والخيمة في أصل اللغة اسم لبيتٍ تنشئه العرب من عيدانٍ ثم توسع فيه فاستعمل فيما يتخذ من الجلود والقطن المنسوج ونحوه، ويوصف بما يوصف به الباب: من الشريف والكريم، والعالي.
قلت: وقد يستعمل بعض هذه الألقاب كالدار والستارة والجهة في غير المكاتبات من الولايات وغيرها ولكن بقلة، والغالب استعمالها في المكاتبات فلذلك خصصتها بها.